X

الإخبارية المستقلة لولاية تيبازة

أخبار الجزائر على مدار اليوم

 

فيما تُعَدّ دائرة شرشال نموذجا للإعتداء على أراضي الدولة: والي تيبازة بين توجيهات السلطات العليا وتردّد المسؤولين المحليين

لفت والي تيبازة أبو بكر بوستة، في اجتماع عقده يوم 24 جانفي الجاري، ضمّ رئيس المجلس الشعبي الولائي جلول حاج حميش، الأمينة العامة للولاية كريمة مصنوعة، رؤساء الدوائر، ممثلي المصالح الأمنية والعسكرية، والمديرين التنفيذيين المعنيين، لفت الانتباه إلى النصوص والتشريعات الجديدة الخاصة بحماية أملاك وأراضي الدولة، مشدّدا على تنفيذها على أرض الواقع، كما نصّب خلاله اللّجنة الولائية لحماية الغابات.

ولاشكّ أنّ الوالي بوستة انطلق من القرارات المركزية التي يسهر على تنفيذها وزير الداخلية والجماعات  المحلية ابراهيم مراد، القاضية بحماية أملاك الدولة وتثمينها وفقا لتوجيهات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي ما فتئ يُشدّد على فرض هيبة الدولة وسلطتها على ممتلكات المجموعة الوطنية.

كما ذهبت العدالة على هذا النّحو، حيث عقد وكيل الجمهورية بمحكمة شرشال لقاءً، الأحد،  مع السلطات المحلية، ضمّ رؤساء الدوائر والبلديات الواقعة تحت إقليم الإختصاص، إضافة إلى الهيئات المعنية، لشرح النصوص والتشريعات ذات الصلة لاسيما القانون رقم 32-21 المؤرخ في 23 ديسمبر 2023، يتعلّق بالغابات والثروات الغابية.

ويضع هذا القانون مساحات شاسعة من غرب ولاية تيبازة تحت النظام الغابي الواجب حمايته، سواء بمفهوم الغابة أو بمفهوم الغيضة التي تُعدّ فضاء مشجّرا بأقل من 10 هكتارات، وهي أغلب المساحات الغابية الممتدة عبر الشريط الساحلي إلى غاية الشواطئ، والتي تلامس الأملاك العمومية البحرية الطبيعية، ما يفرض على مسؤولي السلطة المحلية، تدخّلات عديدة وعاجلة لوضع حدّ للفوضى القاتلة لمستقبل الطبيعة في المنطقة.

ويتطلّع متتبّعو الشأن المحلي بشرشال أن يُعِدّ رئيس الدائرة أحمد عيسى، رزنامة طارئة لمعالجة الوضع الذي تفاقم بسبب سياسة غضّ البصر التي مارستها السلطات المحلية طيلة سنوات مضت، لعبت فيه دور المتواطئ حتى عمّت فوضى البناء في البرّ والبحر.. فكما تمّ الاستيلاء على الأراضي الغابية بشكل إجرامي في حقّ الشجرة ودورها الإيكولوجي الهام، تمّ أيضا الاستيلاء على الأملاك العمومية البحرية (DPM)، واقتحام حدود الشريط الساحلي المحمي، حدّ أمواج البحر، وكأنّ السلطات المُخوّلة كانت في حكم أصحاب الكهف.

 ويشار أنّ رئيس دائرة شرشال أحمد عيسى كان قد تناول خلال اجتماع عمل تنسيقي للّجنة التقنية الموسّعة للدائرة، عقده الأحد 21 جانفي الجاري، موضوع البنايات الفوضوية، مُبديا استعداد مصالحه للشروع في عملية الهدم واسترجاع الأراضي المستولى عليها…

ولا يُرخِّص القانون رقم 32-21 المؤرخ في 23 ديسمبر 2023، المتعلّق بالغابات والثروات الغابية، بإقامة بنايات داخل الملك الغابي إلا التي تتضمّنها المادتين 97 و 98 من ذات القانون، والمخصّصة لتسيير الملك الغابي أو البنايات والمنشآت الموجّهة للخدمات العمومية وللدفاع والأمن الوطني، بعد تحويل التسيير أو الشُّغل، حسب الحالة. غير أنّ الواقع يثبت العكس تماما، حيث تشهد شرشال انتشارا لا مثيل له في البناءات الفوضوية على الأراضي المحمية قانونا، أتلَفَ أملاكا غابية وأخرى فلاحية، امتدّ بشكل عبثي إلى حدود الساحل والأملاك العمومية البحرية، حتى أصبحت أمواج البحر تُحاط بالسياج في الكثير من الشواطئ، كما هو الحال في المدخل الشرقي لمدينة شرشال، أسفل برج الغولة، حيث غزى الإسمنت رمال الشاطئ بعشرات البنايات، لا تزال تُشيّد إلى يومنا هذا دون أيّ تدخّل من الجهات المختصة.

أما الأملاك الغابية، فقد شهدت اقتحاما لا مثيل له بسيدي امحمد لمغيث، فالغابات المتاخمة لحي 648 مسكن، عرفت انتشارا فِطريا للبنايات الفوضوية، أمام أعين السلطات التي وقفت وقفة متفرّج، شجّع سكوتُها على المزيد من التطاول، انتهك بشكل صارخ الثروة الغابية المُحيطة بالحي، ناهيك عن المشاكل التي ستترتّب عن حيّ فوضوي، سيصبح في حاجة إلى تهيئة وتوصيل بالشبكات الطاقوية وتفريغ المياه المستعملة والنفايات المنزلية، وغيرها من الاحتياجات الحيوية في حال استمرار الوضع وفرضه كواقع.

ويصف القانون رقم 32-21 البنايات الفوضوية والشغل غير الشرعي داخل الملك العمومي الغابي بالجريمة، حيث أوردت المادة 145 منه “يعاقب بالحبس من سبع 7 سنوات إلى اثنتي عشرة 12 سنة وبغرامة من سبعمائة ألف دينار (700.000دج) إلى مليون ومائتي ألف دينار (1.200.000دج) كل من قام بتشييد بناية داخل الأملاك العمومية الغابية، من غير البنايات المنصوص عليها في هذا القانون، وزيادة على ذلك تقضي الجهة القضائية المختصة بإزالة المنشآت على نفقة المحكوم عليه”.

يتّضح من خلال تشديد العقوبات وإدراج المُشرّع الجزائري هذه الأفعال ضمن الجرائم، وعي السلطات العمومية بخطورة الوضع، والكوارث الناجمة عنه والمرتقبة، غير أنّ السلطات المحلية، لم تضطلع إطلاقا بمسؤولياتها، بل كانت في الكثير من الأحيان متواطئة، بشكل أو بآخر، حيث كُلّما تمّ تشييد بناء فوضوي، يُكافأُ صاحبه بعدّاد كهربائي بعد اصدرا الشهادة الإدارية التي تثُبت المسكن، ما يستدعي من السلطات المختّصة فتح تحقيقات بَعْدِية، لتحديد المسؤوليات، فمّما لا شكّ فيه، أنّ وصول هؤلاء الفوضويين وتجرّئهم على اقتحام الغابات وشريط الساحل، لم يكن إلا بأيدي ذات صلة، وعلى دراية كافية بوضع المنطقة.

إنّ تحرّك السلطات الولائية والقضائية لمعالجة الأزمة الناجمة عن فوضى البناء والتسيّب الحاصل منذ سنوات، ينمّ عن إرادة عليا للسلطات العمومية لوضع حدّ للوضع، وبسط سلطة الدولة على ممتلكاتها، يبقى على السلطات المحلية الانخراط بقناعة وجدّية في محاربة الظاهرة ووضع حدّ للاعتداءات الإجرامية، فغابة سيدي امحمد لمغيث وشاطئ برج الغولة بشرشال سيضعان السلطات المحلية، وكذا إدارة الغابات التي اكتسبت صفة الشرطة القضائية، على محكّ الانخراط في مساعي السلطات العمومية ورؤية المشرّع الجزائري.

حسان خروبي

[themoneytizer id=”87727-19″]