شرشال في فعاليات الطبعة الـ22 لصالون الجزائر الدولي للكتاب: حضور مميّز من خلال أبنائها الكتاب

سجلت مدينة شرشال حضورا مميزا في فعاليات الطبعة الـ22 لصالون الجزائر الدولي للكتاب من خلال احتلال ثلاثة من كتابها منصة المحاضرة في اليوم ما قبل الأخير من فعاليات الصالون. ويتعلق الأمر بالكتاب: محمد ساري ومحمد (عبد الكريم) أوزغلة ومحمد شريف غبالو.
محمد ساري: حمل إلى جنب أسيا جبار موروث منطقة شرشال إلى المنابر الكبرى
حل الروائي والمترجم “محمد ساري” ضيفا على جمهور قاعـــة الســـيلا للحديث عن تجربته في الكتابة والترجمة باللغتين العربيـــة أو الفرنســـية.
استهل صاحب رواية “على جبال الظهرة” لقاءه مع جمهور سيلا 2017 بالحديث عن بداية الرحلة… فكان الالتحاق ســـنة 1963 بالمدرســـة الابتدائية، حيث كان التلقين بالفرنســـية، ثم أضاف “لقد بذلت مجهودا للكتابـــة بالعربية وقمت بجهـــود للكتابة بالعربية… أبناء جيلي عايشوا تلك المرحلة الانتقاليـــة اللغويـــة، أنـــا أؤمـــن بالتعدد اللغوي، فرصيد الجزائري أصلا متنوع، عن نفســـي فأصلي أمازيغي، في طفولتنا كنا نســـتعمل عدة لغات وهو حـــال الكثير من الجزائرييـــن، لقـــد بدأت بنشـــر نصوص بالفرنســـية.. في ثانية ثانوي بدأت بنشـــر الأشعار، هناك أيقنت أنني لن أكون إلا كاتبـــا، قـــررت التوقـــف عن دراســـة الرياضيـــات والتنقـــل إلى القســـم الأدبي المعرب.. ربما كنت شابا مندفعا لا أفكر في العواقـــب، فالكثير اعتبر قـــراري مخاطرة، وجراء هذا، وقبل التحاقـــي بالثالثة ثانوي أدبي قضيـــت الصائفة وأنـــا التهم الكتب باللغة عربية (حوالي 30 كتابا) اســـتعدادا لبدأ مسيرتي مع الدراسة في الأدبي”. وأوضح ســـاري أنـــه كان يعتبـــر اللغة العربية مســـتقبل الجزائر، فحســـبه فإن الخطاب السياسي السائد آنذاك، ساهم في تلك القناعة… أما عن محمد ساري الكاتب، فيسجل أن أعمالـــه مرآة لتجربته في الحياة ورؤيته للإبداع الأدبي، وأوضح “ربما الماركسية وخطابها الذي عايشـــته في شـــبابي جعلني أتجنب الرومانســـية.. حين اكتب تنتفض بداخلي أصـــوات كتلك التـــي تضفي روحا معينة على اللغة في نصوصي، الدارجة بهـــا تعابير قويـــة لا يمكـــن ترجمتها، خاصة عند سرد حوارات الشخصيات تطفو العامية بقوة، لأنه لا يمكن الانفصال عن الواقع وصـــوت المجتمع، التعابير المتداولة تعبر غالبا عن نظـــرة المجتمع للعالم وتبرز ميزاته وبيئته.” وعن التوجهات في الكتابة اعتبر محمد ساري أن بعض الكتاب يسردون همومهم الشـــخصية، لا هموم مجتمعهـــم، معلقا “لابد على الكاتـــب أن يعيش في المجتمع الذي يكتب عنه ويذوب فيه.” وأوضح صاحـــب “جبال الظهـــرة” من جهة أخرى كشـــف أن معظم الأعمال التي ترجمهـــا، كانت من الفرنســـية إلى اللغة العربية، وليس العكس، وهذا بحسب طالبات الناشرين حســـبه، أما فيما يخص الجيل الحالي، اعتبره المتدخل متصالح جدا مع اللغتين (العربية والفرنســـية) وأضاف “ليس هنـــاك رفض للأخر مثل الســـابق، المدرســـة الحالية ســـاهمت في هذا…” وختم ساري بالقول “كلمة جزائري تعني تاريخا ورقعة بحجم قـــارة ثرية بثقافات متنوعة. وهو ما ينبغي ألا يغيب على ذهن أي جزائري وما بالكم على الكاتب”، قال محمد ساري.
محمد شريف غبالو: قامة ثقافية متشبّعة بالموروث الشرشالي
استضاف صالون الجزائر الدولي للكتاب في دورته الأخيرة الكاتبين محمد شريف غبالو وعبد الكريـــم أوزغلة في جلسة استذكار وتكريم للأديبين مساور بولنوار(1933 ـ2015) والطاهر جاووت (1954 ـ واغتيل في بداية جوان 1993).
حاول الكاتب والصحفي والأستاذ الجامعي محمد شريف غبالو مشاركة جمهور قاعة السيلا الاقتراب من مساور بولنـــوار الشاعر، الذي، كما قال المتدخل، أحبه معاصروه من كبـــار المبدعين على غرار كاتب ياسين وجان سيناك، وجهله جمع عريض من جمهور الشعر الجزائري”، مضيفا أن شاعر من مواليد مدينة ســـور الغزلان في 11 فيفري 1933، توقف عن الدراســـة في ســـن السابعة عشـــرة لأسباب صحية، ولكنـــه لم يقطـــع علاقته بالكلمـــة. ناضل في صفوف الثورة من أجل حرية الجزائر وأوقف وحبس في 1956 وقبع في السجن إلى غاية 1957. وهكذا، تركت الثورة التحريرية الأثر العميق في نفسية مساور بولنوار، وتجلى ذلك في أعماله الشعرية. نشـــر أشـــعاره في ديـــوان أول حمل عنـــوان “القوة المثلى” فضلا على دواوين أخرى كـ”تحت التهديد بالإعدام” و”الحياة بمثابة عقوبة” و”أبجدية الفضاء”، وهي دواوين تمحورت حول تيمات “السجن والتوق للحرية” و”الألم الاستعماري” و”المعاناة” وغيرها من التيمات التي دعا الأستاذ غبالو الجمهور لقراءة نصوص بولنوار للوقوف عليها وعلى غيرها عن كثب.
محمد عبد الكريم أوزغلة: خطوات كبيرة لإعادة تثمين منطقة شرشال
بدأ الكاتب محمد عبد الكريم أوزغلة مداخلته بسؤال تمهيدي: لماذا الطاهر جاووت شاعرا؟
وقال في محاولته الإجابة: “الشائع لدى العامة وشريحة واسعة من المثقفين عندنا أن الطاهر جاووت كاتب صحفي وروائي، ونادرا ما يذكر هذا القلم متعدد المواهب باعتباره كاتب قصة قصيرة وشاعرا وكاتبا عن الشعر الجزائري الحديث المكتوب بالغة الفرنسية… ومن هنا المدخل المختلف إلى هذا المثقف الذي بدأ شاعرا و”ليس الشـــعر بالنســـبة إليه أقل من الحرية بمعناها الوجودي المتحقق بالفعل أو بالأمل”، فهو وجه من وجـــوه الوجود الحر بالنســـبة إليه، وبالنسبة إلى تجربته الكتابيـــة أو الثقافية العامة.” ولقد جسد جاووت هذا في واقع حياته المهنية والإبداعية إذ كتب الشعر وعن الشعر الجزائري واستلهم تجارب عالمية على غرار تجربة أرتور رامبو. وتحدث أوزغلـــة عن الديوان الأول لجـــاووت “المدار المســـيج بالأسلاك الشـــائكة”، الذي نشـــره في 1975 وعمره 21 ســـنة، ثم “ضغط الساعة الرملية”، 1983، و”السفينة القدرية”، 1987″، وإلى جانبها ألّف جاووت “الكلمـــات المهاجـــرة”، وهي أنطولوجيا شـــعرية صدرت في 1984.. وقد أراد جاووت هذه الأنطولوجيا تكملة لمجهود شعري سابق قام به جان سيناك وأصدره فـــي 1971، وفيها تحدث جاووت عن حوالي 30 شـــاعرا نشـــروا ديوانا أو أكثر لـــم تتضمن أنطولوجيا ســـيناك أشـــعارهم. وفي أنطولوجيا جاووت نجد مختارات لعشرة شعراء منهم أمثال يوسف ســـبتي، رابح بلعمري، حميد ناصر خوجة، والطاهر جاووت نفسه.
ومن القصائد التي اختارها جاووت لنفسه وقدر أنها تمثل تمثيلا صادقا تجربته الشـــعرية، قصيـــدة “القصيدة الســـبخية” (المنتميـــة إلى فضاء المســـتنقعات)، يقول فيهـــا: (ترجمة أوزغلة):
“الشـــاعر المســـافر.. فـــكاك ألغاز المـــدارات..
حمى المستنقعات تقضم جمجمته..
جسده حقل مغلق حيث تطلق نقيعها المبردات..
أوه.. والشـــمس التي تأكل نســـغ الخيل..
والرمل الذي يرســـل تحت الريح مأساته المدمرة..
إن المسافر.. القادم من الأقاصي البعيدة..
كان يحدث الرحل.. عن شبابه..
وعن ريمبو..
وعن العصافير..
كانت المنبسطات.. تتداعى في رأسه..
والذباب كان يخز وجهه..
كان يفكر بشـــاب كتوم يحفظ السر..
لا يفضي للعالـــم.. لا بدموعـــه
ولا بكنـــوزه..
ولا بحركاتـــه ولا بجراحاته..
ولكنه يدع كل شـــيء يهلك في جسده..
هذا الكائن.. لا أحد يدري.. بأنه كان يريد إخصاب الصحراء”.
نشاط كل من محمد ساري ومحمد شريف غبالو ومحمد عبد الكريم أوزغلة لقي استحسان الحضور وتفاعلهم معه وأثار بينهم نقاشا استمر إلى ما بعد الوقت المخصص له كما امتد إلى خارج قاعة الفعاليات بين المتدخلين والحاضرين من شتى آفاق الجزائر. مسجلا في ختامه إجماع الرأي على أهمية الانتقال بين مختلـــف اللغات، التي كتب بها الإبداع الجزائري، تكريســـا للتعددية والتنوع الثقافي واللغوي اللذين تزخر بهما الجزائر، دون إغفال التنويه بأن شرشال ليست سوى صورة مصغرة عن البلد الذي تنتمي إليه هي وينتمي إليه أبناؤها.
لمحات تعريفية
-محمد ساري: روائي ومترجم وأستاذ نظرية الأدب والنقد الحديث بكلية اللغة العربية وآدابها واللغات الشرقية –جامعة الجزائر 2. صدر له العديد من المؤلفات والترجمات نذكر منها:
في النقد الأدبي: “البحث عن النقد الأدبي الجديد”، و”محنة الكتابة”
“في الرواية: “على جبال الظهرة” و”السعير” و”البطاقة السحرية” و”الورم” “الغيث”، والجديدة “القلاع المتآكلة”، من ترجماته: “ثلاثية محمد ديب و”ثلاثية الشمال” لديب أيضا و”قسم البرابرة” لبوعلام صنصال و”رجالي” لمليكة مقدم وغيرها.
-محمد شريف غبالو: كاتب وإعلامي وأستاذ اللغة الفرنسية بكلية اللغة العربية وآدابها واللغات الشرقية –جامعة الجزائر 2. في رصيد الكاتب محمد شريف غبالو العديد من الإصدارات منها: -العشرات من المقالات الثقافية، كما له “ديوان شعر” بالفرنسية وكتاب عن “تاريخ مدينة شرشال” ومخطوط عن “تاريخ السينما الجزائرية”.
-محمد عبد الكريم أوزغلة: كاتب ومترجم وأستاذ الأدب والنقد المقارنين بكلية اللغة العربية وآدابها واللغات الشرقية –جامعة الجزائر 2. في رصيده عدة منشورات. من مؤلفاته: “مقامات النور: ملامج جزائرية في التشكيل العالمي”، و”شهادات الأسر ومشاهد الكتابة: ميغل دي ثيربانتس أسيرا في الجزائر (1575ـ1580 “، ومن ترجماته: “المواجهات الثقافية في الجزائر المستعمرة” لإيفون تيران، و”كاتب ياسين الرجل الحر” لمختار شعلال، و”ألبير كامو ـجون سيناك، أو الابن المتمرد”، لحميد ناصر خوجة، فضلا على ترجمات أدبية منها “دونكيشوت دي لامانتشا” للفتيان… “من نشر المركز الثقافي الإسباني في الجزائر.
ش.ن