X

الإخبارية المستقلة لولاية تيبازة

أخبار الجزائر على مدار اليوم

 

جمعية بلومبرا كسبت الرهان بمشروعها الطموح: “المقهى الأدبي” لمدينة شرشال يستضيف الدكتورة “يامنة بحيري” ويحيي روح الفقيد الشيخ “عبد المطلب” في القلوب

واصلت جمعية بلومبرا بشرشال صبيحة هذا السبت 12 ماي حلقاتها الثقافية والعلمية عبر سلسلة  “المقهى الأدبي”، والذي بات في الآونة الأخيرة منبرا يستقطب عديد الوجوه المثقفة والمهتمة بمجال تنوير العقول، أين عاشت قاعة المحاضرات بمركز التكوين المهني والتمهين أجواء مثالية صنعتها ضيفة اللقاء وابنة المدينة الدكتورة “يامنة بحيري”، في محاضرة استعرضت فيها كتابها “المعنى الظريف في تاريخ شرشال الحديث” من خلال الأرشيف من سنة 1850 إلى 1873م”، أين ناقشت الموضوع بطريقة قرّبت الصورة الحقيقية للمجتمع الشرشالي خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، استنادا على الوثائق، العقود، الأرشيف والمحاكم الشرعية.

الدكتورة والأستاذة المحاضرة بجامعة الجزائر “بوزريعة2” تحدثت عن أبرز النقاط المتناولة في كتابها المعني بالعرض، مسلطة الضوء على عادات وتقاليد العائلات الشرشالية في تلك المرحلة والتي وصفتها بالأكثر دقة في التوثيق، خاصة ما تعلق بأمور الزواج، البيع والشراء، المعاملات خلال الفترة الاستعمارية، أين استطاعت الولوج إلى الأسرة والمجتمع بمنطقة شرشال من خلال الوثائق وسجلات المحاكم، فشروط الزواج في هاته الحقبة كانت حسبها دقيقة ومدروسة (المصاغ، الصداق، اللباس، الأثاث، الحيوانات، )، “الزواج على العرف (زواج سيدي معمر و سيدي مروان) ظهر في النصف الثاني من القرن 19، مؤكدة أن العلاقات الأسرية بالمنطقة عرفت تنظيما محكما، وكان واجب اللجوء إلى القضاء لتسوية النزاعات والخصومات، مع تسجيل ارتفاع في حالات الطلاق بالنظر إلى الوضعية المعيشية الصعبة، كما تحدثت عن العادات والتقاليد المتجذّرة من جانبها الطبيعي والجمالي …

واصلت ذات المتحدثة حديثها مجيبة على الأسئلة المباشرة التي كانت تطرح بالمناسبة، متحسرة لغياب فئة التلاميذ والشباب عن حدث يهمهم كجيل للمستقبل، “كنت تمنيت حضور التلاميذ والطلبة  لهذا اللقاء لفهم الجانب التاريخي، فالأمة التي لا تعرف تاريخها لا تستطيع أن تتقدم خاصة التاريخ المحلي، ويجب الحفاظ على الهوية ومكتسباتنا من الموروثات الثقافية واستغلاله بما يعود بالفائدة الاقتصادية للبلاد، عبر استقطاب السياح …فالمجتمع المدني مسؤول عن الحفاظ على تاريخه”، كما نوّهت الدكتورة “يامنة بحيري” بالأماكن غير المعروفة إلى يومنا  مثل حومة “بالي آغا” (أول عثماني دخل إلى شرشال) وتحقيقاتها متواصلة لإيجاد هذا المكان، وكذا مناطق سمّيت على أولياء صالحين  (سيدي القلفاط) مثل “لمدورة” (تيزيرين حاليا)، “فرنسا حاولت اقتلاع الحضارة الإسلامية العربية وفرض الحضارة الأوروبية، أما الدولة العثمانية فلم تأتي لتستعمر ولكنها جاءت للخلافة ونحن من طلبنا الحماية..فهي لم تسرق أو تحرّف الارشيف”.

كشفت “يامنة بحيري” أن الهدف من دراستها لمجتمع مدينة شرشال في النصف الثاني من القرن 19، هو معرفة كيفية محافظة الأسر على عاداتها وتقاليدها دون التأثر بالاحتلال الفرنسي مقدّسين ذلك من خلال الأرشيف ..الوثائق والمحاكم الشرعية”، محاضرة شيقة تعمّق فيها الحاضرون تركيزا..استماعا ومناقشة لمجمل المواضيع المطروحة، لتختتم بتكريم رمزي لها من طرف القائمين على جمعية بلومبرا، هدية تسلمتها من يدي والدها الذي شرّفها هي الأخرى بالحضور رفقة أساتذتها وعائلة “المقهى الأدبي”.

 

“المقهى الأدبي” لمدينة شرشال يحيي روح الفقيد “الشيخ عبد المطلب” في القلوب ويكرّم عائلته بالمناسبة

المقهى الأدبي لمدينة شرشال تواصل بمركز التكوين المهني والتمهين، مستحضرا روح الفقيد والمدرسة القرآنية والأدبية الشيخ “عبد المطلب”، وسط أجواء ميزها التحسر على فقدان شخصية تعلقت بالعلم والتأليف، وتركت ورائها ثمار جهود عكست واقع رجل سخر جل حياته مكوّنا ومعلما، فتحدثت عنه ألسن مقربيه بكثير من الثناء والتقدير، بل وصفته بالمتواضع، المخلص الوفي للأدب والمطالعة..فكان دائم التفوّق بميدانه كتابة وشعرا، والناصح لتلاميذه بالسير على خطاه طيلة حياة قضاها بين أسوار البحث والتدريس.

ابنه وأستاذ اللغة العربية بثانوية “امحمد عبدي” بسيدي غيلاس “علي عبد الرزاق”، استعرض في كلمة ألقاها بالمناسبة لمحة تاريخية موجزة عن والده الفقيد “عبد المطلب”، شاكرا أعضاء جمعية بلومبرا على “المقهى الأدبي”، “اسمه عبد المطلب عبد الستار الحيالي، ولد سنة 1942 بمحافظة الناصرية ببغداد وكان والده محاسبا ماليا، سجل اسمه بكلية الآداب والشريعة ببغداد سنة 1966 وتخرج بشهادة البكالوريوس في الشريعة متفوّقا في الأدب والمطالعة، ثم انتقل إلى كلية النضال ببغداد كأستاذ للأدب العربي والسؤال الذي يطرح هنا..ما علاقته بالجزائر وما هو سر حبه لهذا الوطن؟؟”.

الفقيد “عبد المطلب” كان متابعا وباهتمام كبير لأخبار الثورة الجزائرية وكتابات المثقفين العمالقة التي أنجبتهم الجزائر، ولم يتردد عند سماعه بحاجتها لاساتذة متعاقدين …ليكون سبّاقا إليها سنة 1971، ليشتغل معلما للأدب العربي بمتوسطة “بن ضيف الله” بشرشال، ثم في ثانوية الزيانية كأول ثانوية تفتح أبوابها بالمنطقة عام 1975، ثم ثانوية تيبازة وبعدها بلرباي الصغير (شرشال)، “لقد اختار الكتاب أن يكون جليسه وقال لنا بعد حلوله بأرض الجزائر :هذا الشعب لا يجعلك تحس انك غريب تماما، فراح يقضي أغلب أوقاته بالشارع لتواضعه وتقديسه للعلم والأدب، وكان لا يؤمن بفكرة الرسوب في الدراسة، أما أيامه الأخيرة فتفرغ فيها للتأليف ..قبل أن يحول بينه وبين إصداره لكتاب يتناول قراءة لما بين السطور في القران الكريم “الموت”، مغادرا الحياة في ليلة مؤثرة ليست كباقي الليالي (5 ديسمبر 2006).

مداخلات وكلمات حول شخصية الشيخ “عبد المطلب” تفضل بإلقائها الأساتذة ومقربيه (سمير الخضراء، مصطفى برجم، يوسف خوجة سفيان، الأستاذ سيف والشاب “نصر الدين حداد)، كلها تغنّت بشخص شهد له بالايمان والتواضع، وفضله في تعلم وتقديس الحرف العربي، مؤكدين أن مستواه وثقافته العالية لم تكن تتوافق مع المحيط الذي كان فيه، لحبه وعشقه الكبير للمجالس العلمية ..ولم يخف الموت يوما حين قال “أنا ذاهب لعالم آخر أجد فيه راحتي”، لحظات مؤثرة دفعت بالبعض للبكاء وهم يتكتشفون شخصية غادرت في سكون، وتركت ورائها ثمارا ممثلة في أبناء يدعون له يوميا بالرحمة والمغفرة، حلقة أعادت إحياء روحه بالقلوب التي لم يندمل فيها جرح فراقه بعد، حدث كسبت به جمعية بلومبرا الرهان رغم قلة الإقبال بقاعة المحاضرات بالمركز (البعيدة نوعا ما عن وسط المدينة)، مقارنة بفندق “سيزاري” لمجمع نسيب الذي تعذر احتضانه للنشاط بسبب حفل زفاف، فهاجس هذه اللقاءات الثقافية مرتبط حاليا بالقاعة…والسلطات المحلية لإنجاحها وضمان الحضور المميز للمواطنين.. وبأهداف مستقبلية تسعى من خلالها لتنمية وترشيد الحس المدني…

سيدعلي.هـ